في عالم تتعدد فيه المدارس التربوية وتختلف فيه الآراء حول ما هو الأفضل للطفل، تبرز فكرة "التربية بالصواب" كدعوة للعودة إلى الفطرة السليمة، والعقل المتزن، والقيم التي تحفظ كرامة الطفل وتنمّي شخصيته في آنٍ واحد. لكن، ما معنى "الصواب" في التربية؟
وهل يمكن تحديده بشكل واضح؟
الصواب ليس
تشددًا… وليس تساهلًا
غالبًا ما
يُربَط مفهوم الصواب في التربية إما بالصرامة والانضباط المفرط، أو بالتساهل
المبالغ فيه بحجة الحرية والحب. لكن الحقيقة أن الصواب يكمن في التوازن:
أن نكون حازمين
بلا قسوة، وحنونين بلا تسيب.
الصواب هو أن
يدرك الطفل أن هناك حدودًا وقوانين، لكن في نفس الوقت يشعر بالأمان والقبول والحب
غير المشروط. فالطفل لا يحتاج إلى والدٍ صارم يفرض عليه الأوامر، ولا إلى والدٍ
متساهل يتركه يتخبط، بل يحتاج إلى قدوة تُرشده وتفهمه وتوجهه بثبات ومرونة.
الصواب هو
التربية بالقيم
الصواب في
التربية يعني أن نربي أبناءنا على قيم حقيقية:
الصدق لا الخوف، المسؤولية
لا العقاب.
الاحترام لا
الخضوع، الحوار لا الأوامر.
الاقتناع لا
الإكراه.
فالتربية
الصائبة لا تهدف فقط إلى أن "يسمع الطفل الكلام"، بل إلى أن يفهم لماذا
عليه أن يتصرف بطريقة معينة. لأن الطفل الذي يفهم، هو الطفل الذي ينمو بوعي ويصبح
إنسانًا ناضجًا قادرًا على اتخاذ قراراته لاحقًا.
الصواب هو فهم
الطفل في عمقه
التربية بالصواب
تبدأ من معرفة من هو هذا الطفل: ما احتياجاته؟ كيف يفكر؟ ما الذي يشعر به؟
الصواب في
التربية ليس وصفة جاهزة، بل هو استجابة ذكية وفهم عميق للسياق والطفل. قد يكون
الصواب أحيانًا أن تصمت، وأحيانًا أن تتدخل. أحيانًا أن تشرح، وأحيانًا أن تترك
الفرصة للتجربة والخطأ.
الصواب يربّي
الطفل… ويربّي الوالد أيضًا
قد لا ننتبه أن
التربية الصائبة لا تثمر فقط أطفالًا أصحاء نفسيًا، بل تجعل الآباء أنفسهم أكثر
وعيًا ونضجًا. لأنها تدفعهم إلى مراجعة أنفسهم، التحكم في انفعالاتهم، وتعلّم
مهارات لم يعرفوها من قبل: الإصغاء، التفهّم، ضبط النفس.
خلاصة
الصواب في
التربية ليس شعارًا، بل مسار طويل من التعلم والنية الطيبة والصبر.
هو تربية تهدف
إلى بناء إنسان متوازن، لا مجرد طفل "مؤدب" يخاف من العقاب.
هو تربية تبحث
عن المعنى والنية، لا عن الشكل والمظاهر.

إرسال تعليق
0تعليقات